شعب لا يركع
هذا الشعب لا يركع.. يقتل ويصلب في المدائن ولكن لا يركع... يشرد ويعذب في السجون ولكن لا يركع..
هذا الشعب يخرج من تحت الارض ومن تحت الانقاض ولكن لا يركع..
يقاتل بالحجر بالعصا بالهواء ولكن لا يركع..
كيف يركع لغير الله شعب يرضع بدل الحليب حب الوطن لاطفاله ...
عمّا تفتش في حقيبتي؟
عمّا تفتش في حقيبتي؟
عن دفتر ممزق؟ عن قلم مكسور؟ أم عن كابوس الأمن الذي يقضّ مضجعك؟
في حقيبتي صورة شقيقي الشهيد، وأبي الشهيد، وشقيقتي الشهيدة، وكراس رسم احتفظ فيه برسم أشجار الزيتون التي رسمتها قبل أن تجرفوها من جذورها في الأرض.
لو فتشت قلبي لوجدت أنه يحب الحياة أكثر مما يحب الناس، ويعشق الوطن، والناس تجافي أوطانها. لو فتشت أعماقي لعرفت أن نشيدي هو حريتي، وحريتي هي قيدي، ودربي درب الجلجلة. اسعى نحو وطن الأنبياء، ارسمه شفقاً، أكتبه على الجدران، أزرعه زعتراً أخضراً في المنافي البعيدة. نشيدي هو حريتي، وحريتي أن أحب الحياة وأحب الموت. لا فرق عندي ان كان الوطن في الأرض أو في السماء، فلا فرق بين المذبحة والتسوية.
كل أقراني يذبحون، ولا نسمع سوى زغاريد الأمهات وحسراتهن. في السلم يذبحون.. في الحرب ضد بطون الحوامل، وضد الزيتون، وجثث الشهداء، وعظام الأطفال، يهرسون بالدبابات والأباتشي والأف 16.
اني احفظ اسماء كل اسلحتكم التي تقتلوننا بها، كما أحفظ اسماء صلاح الدين وخالد بن الوليد وعمر المختار، وأعرف مما تخافون وترتعبون: من الموت إذا جاءكم من كل جانب، وأنتم تكرهون الحياة وتعشقون القتل، من قنبلة في مقهى، من فدائي يفتح رشاش بندقيته القديمة على كل صهيوني محتل.. وتخافون من كراستي وكتب الدين والتاريخ والجغرافيا.
تخافون مني وأنا صغير، وتخافون اذا كبرت، وتقتلونني حتى لو كنت في المهد أو كنت كهلاً.
نشيدي كل صباح، هو حريتي، غايتي ومرادي وحلمي ودمي وزغرودة أم في جنازة ابنها، وشجاعة صبية تهدي استشهادها للحكام العرب.
حريتي هي حياتي، هي وطن يسكن في خاصرة جنة الفردوس.. فعمّا تبحث في حقيبتي؟
هل يراني أحدكم؟
تلدني الأرض مرتين، مرة حين أولد، ومرة حين أشهد أخي وهو يوارى في التراب، ساكنا لا حراك فيه.
كأنني أشيخ الآن، أبلغ من العمر دهراً، وأرى من الدنيا عذابها، وأرى من الناس وحدتي.
هل يراني أحدكم؟ أو أطل رأسه في قبري لينتشلني؟ هل شاهد أحدكم الرصاص والدبابات والأباتشي تمزق أجساد الناس؟ هل عاش أحدكم أسطورتي؟
تلدني الأرض مرتين وثلاث ومئة مرة…لا تشبع من الانجاب. كأنني صبي كهل لا يصدق أحداً سوى دمعته وحدسه وأمه التي أرضعته حزنها لاستشاد أبيه.
هل يصدق أحدكم انني أصدق كلام السلام؟
وهل يصدق أحدكم أنني مثل الموت لا أموت، لكنني أحزن وأبكي.. فلا نافذة بين قبري وقبره..ولن أسمعه بعد الآن يحدثني عن أحلامه التي أودعها في قلبي وذاكرتي.