بسم الله الرحمن الرحيم
لن نيأس أبداً
في التاريخ عبرة وعظة ، والأيام حبلى وعودتنا أن تلد الأمور العظام ، والليالي لا تخطئ فيها السهام والدهر والزمان متقلبان لا يثبتان ، والأيام دول ، يوم لك ويوم عليك ، والدعوات الصادقة لا تهزم أبداً تا الله ما الدعوات تهزم بالأذى *** كلا وفي التاريخ بَرُّ يمينيقد عرف التاريخ فرعون الذي سام المؤمنين من بني إسرائيل سوء العذاب ، فقتل أبنائهم واستحيى نسائهم ، وجعلهم شيعاً وتهددهم بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وأن يصلبهم في جذوع النخل ... ولكنه ذهب إلى غير رجعة وصار في خبر كان ، ونجاه الله ببدنه ليكون لمن خلفه آية ، وكذلك يفعل الله بالمجرمين على مر الزمن .والظالمون على مر الأيام يمرون ولا يثبتون ، يَعْلُونَ ولكنهم في الأرض يدومون ، وإن شئت فسأل التاريخ ينبئك عن هامانَ وقارونَ وعادٍ وثمودَ وأصحابِ الرَّسِّ وقرونٍ بعد ذلك كثيراً ، والله تعالى يقول في كتابه العظيم [فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] .أين الظالمون بل أين التابعون لهم في الغي ثم أين فرعون وهامان
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان
هل أبقى الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان
لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان
وقد تعلمنا من الشريعة المطهرة أن الله لا يعجل بعجلة أحدنا ، وأنه سبحانه جعل لكل ظالم موعداً لهلاكه فقد روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ " ، ثُمَّ قَرَأَ (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )) .ونحن على يقين منذ البداية أن المستقبل لهذا الدين وأن الأيام القادمة لن تكون إلا لأتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا ولن نيأس أبداً بإذن الله تعالى ، ولن نخشى من الغيب ولن نخاف من الغد ، لأنَّ الدنيا وأيامها كلها بيد الله تعالى الذي وعد المؤمنين فقال [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ...] .وسنعيش على هذا الأمل وسنحيى على هذا اليقين ، ولن نسمع بعد اليوم لكلام الذين يريدون منا أنَّ نسلمَ البندقيةَ ونُنَكِّسَ العلمَ ، ولن نسمع للذين يريدون منا أن نذوبَ في ظلام الجاهلية المعاصرة ، ولن نسمعَ بعد اليوم للذين يريدون منا أن نوقعَ للمحتلين بملكية أرضنا وللغاصبين بمشروعية الغصب والقتل والتدمير، لا لن نوقعَ على ذُلِّنَا أبداً بإذن الله تعالى ، وسنعيشُ نقبضُ على الجمرِ ونحفرُ في الصخرِ ونسبحُ ضدَّ الموجِ ونعاكسُ التيارَ ونعلمُ أبناءَ الأمةِ كلَّهم أنَّنَا دوماً سنكون المنتصرين .أما الداعون لليأس ، المنادون للإحباط والقنوط ، فهؤلاء لن يصنعوا بإحباطهم الحياة ، ولن يعمروا بيأسهم الدنيا ، وسيعيشون في الزوايا والقباب والبيع يشابهون الذين جعلوا من دينهم [رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ] .إنَّ قوماً من العابثين اللاهيين أرادوا مرة أن يطفئوا نور الشمس ، فاستخدموا سلاحاً فتاكاً ، ألا وهو ـ أفواههم ـ فأخذوا ينفخون على الشمس بكل ما أوتوا من قوة ، معتقدين أن نور الشمس سيذهب وسينكسف وينخسف ، وبلا جدال هؤلاء لا عقل لهم ، ولكنَّ الأكثر جنوناً هم الذين يحاولون أن يطفئوا نور الله تعالى وبأفواههم أيضاً [يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ] . واليوم بفضل الله أصبح (الإسلاميون) هم الذين يقودون الشتات ، ويتحركون ويتصدون للباطل وأهله في الدنيا كلها ، وينتزعون حقوقهم ، وهم الذين ينظمون المسيرات ويقودون جالياتهم بقوة في العالم كله ، وأصبح الإسلام رغم أنف العدو هو المحرك وهو الذي يحشد وهو الذي يستقطب وهو الذي يوقظ الأمة التي نامت قرناً كاملاً .وفي المقابل سقطت كل القوى الأخرى في العالم الإسلامي ، التي ترفع شعارات بعيدة عن الإسلام ، تيارات وقوى، ومؤسسات ونظم ومنظمات... انكشفت لأنها [كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ] وصار أبناء الأمة اليوم ينادون بأعلى أصواتهم (( الإسلام ُهوَ الحلُّ وما سواهُ ضياعٌ )) ، ولا والله لن نستسلم للواقع المر ، وفينا عرق ينبض وعين تطرف ، فلن نيأس أبداً . ***لا يأسَ مهما غرقنا في مآسينا وأمعنَ الكفرُ ذبحاً في ذرا رينا
لا يأسَ فاليأسُ كفرٌ في عقيدتنا وما ارتضينا سوى الإسلام ديناً
سنظلُّ أسداً وإنْ قُصَّتْ مخالبُنَا ولو جرى بدمِ الثوارِ وادينا
***إنَّ ما يحدث الآن يجب أن يزيدنا إيماناً بأن الله أَذِنَ للمسلمين ، أن يستعيدوا قوتَهُم لكي يواصلوا رسالتَهُم بإخراج العالم ، كلِّ العالم ، من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى ، ومن يتابع نشرات الأخبار يجد أن 90٪ منها عن المسلمين ، إذاً هي حالةٌ من الفوران والثورة في العالم كله ، يقود هذه الحالة والثورة أبناء الأمة ليرفعوا ستار الذل والعار ، عن جبين الأمة الذي أسدل على وجهها المشرق عبر سنوات طويلة .ويحق لنا أن نقول لأبناء الأمة جميعاً : أبشروا وأملوا ما يسركم ، فو الله ليكشفنَّ الله الكرب وليأتين بعد هذا العسر باليسر ، وليجعلنَّ لنا مما نحن فيه فرجاً ومخرجاً ، وليبلغنَّ هذا الدينُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ بإذن الله تعالى ، فقد روى الإمام أحمد في المسند بإسنادً صحيح عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ " . ونحن أمامَ العودةِ الثانيةِ للخلافةِ الإسلاميةِ الراشدةِ نقول :· خاسرٌ من لا يشارك في هذه العودة بإصلاح حاله والمساهمة في هذا التمكين لدين الله .· خاسرٌ من لا يقتنص الفرصة والمشاركة في هذا البعث الإسلامي الجديد .· خاسرٌ من لا زالَ غيرَ قادرٍ علي حسم أمره ، ولم يغير ولاءآته وصداقاته... بل كل حياته .· خاسرٌ من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله تعالى . · وخاسرٌ ـ ختاماً ـ من ليس له سهمُ خيرٍ في مسيرةِ الجهادِ في سبيل الله تعالى . وفي الختام أقول :هذا الدين دين الله تعالى ، والله ناصر دينَه ومعزٌّ نبيَه ، وقد قضى الله تعالى أنْ يكونَ دينُه هو الغالب ، وأنَّ تكون شريعتَهُ هي الظاهرة ، فقال سبحانه [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] .هذا ، وَصَلِّ اللهُم وَسَلِّم عَلَى سَيِّدِنَا المُصْطَفَى مُحَمَّدٍ ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين